المسؤولية الجماعية

المسؤولية هي القيمة التـي يحدثنا عنها السياق القرآني في سورة الاسراء بصورة مركزة، و الانسان مسؤول عن نفسه ومسؤول عن مجتمعه ، مما يصنف المسؤولية نوعين : الجماعية ، والفردية.وفي سورة الاسراء يذكرنا الله سبحانه عنهما جميعا ً.
1 / فالآية (7) هي التي تحدثنا عن المسؤولية الجماعية ، حيث يتحمل كل فرد مسؤوليته عن المجتمع وعن حضارته وتقدمه ، كما يتحمل المجتمع ككل المسؤولية عن نفسه . فيقول ربنا سبحانه وتعالى ضمن آيات اخرى : { وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الاَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فإِذَا جَآءَ وَعْدُ اُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَآ اُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِاَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } (الاسراء / 4-6) .ثم يؤكد المسؤولية الجماعية بقوله سبحانه : { إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } ( الاسراء / 7 ) .
من هذا السياق نستوحي ؛ ان بصيرة القرآن عن التاريخ ، تبدأ من الانسان نفسه ، ومدى مسؤوليته عن افعاله . فإذا تقدمت امة او تخلفت ، فهي بسبب ما احسنت او اساءت. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " ألا كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته . فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم".

2 / وهكذا تتوسع دائرة المسؤولية عند الانسان ، حتى تبلغ الكرة الارضية . فالفساد الذي ينشأ مــن انحراف البشر ، ينتشر في الطبيعة من حوله . فاذا بالتلوث يصيب البر ، ومنه ينتقل الى البحر . واذا بالبيئة كلها تفسد بفعل الانسان . وقال الله سبحانه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ( الروم / 41).وقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام : " اتقوا الله في عباده وبلاده ،فانكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ".
 3 / في قصص الغابرين عبر كثيرة ؛ كيف اصابتهم سيئات افعالهم ؟ وذلك هو عين مسؤوليتهم . وهكذا البشر اليوم لا يمكنهم ان يردوا عن انفسهم آثار أفعالهم السيئة (ظلمهم).قال الله تعالى : { فَاَصَابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلآءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } ( الزمر / 51) .

4 / وما من مصيبة تصيب البشر ، إلاّ بسوء افعاله . فهو اصلها ، واليه مردها (من ذنب يقترف ، او حسنة تترك ، او غفلة تحيط به) . وان الله يعفو عن كثير من الذنوب التي تقتضي المصائب ،(فلا يغر احداً انه يذنب فلا يصاب ، ولا يحمله على العود). قال الله تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَـا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} (الشورى/ 30) .

وفي تفسير هذه الآية قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : " ليس من التواء عرق ، ولا نكبة حجر ، ولا عثرة قدم ، ولا خدش عود ، إلاّ بذنب ، ولما يعفو الله اكثر.فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا ، فان الله أجل وأكرم وأعظم من ان يعود في عقوبته في الآخرة " .
وقد احاط الله بالبشر حفظة يحرسونه من الاخطار ، فلا تصيبه صدفة أو خطأ.كلا ؛ بل تصيبه المصائب صغيرها وكبيرها حسب تقدير الهي.والتقدير الالهي بدوره حكيم ، ويرتبط بما يسعاه وما يكسبه.فلا يغير الله نعمة اسبغها على مجموعة بشرية (كنعمة الأمن والرفاه و التكامل) ، إلاّ إذا غيروا من فكرهم وسلوكهم ؛ فعموا بعد الاستبصار ، وافسدوا بعد الصلاح ، واضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات. قال الله سبحانه : { لَهُ مُعَقِّبَـاتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْــهِ وَمِنْ خَلْفِـهِ يَحْفَظُونَـهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّـِرُوا مَا بِاَنفُسِهِـمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِـهِ مِن وَالٍ } ( الرعد / 11) .

المصدر:

0 التعليقات:

إرسال تعليق